ثمة مقولة منسوبة لنابليون بونابرت - بغض النظر عن دقة الترجمة: «اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم»، وهذه المقولة - للأسف - لها مكان في أيامنا هذه.
ليس هناك خطر أشد من التشبه بالأعداء، وحين يحصل ذلك، تتلاشى الفروق بيننا، وتلك هي الهزيمة الحقيقية، وقد بدأت التنبيه من خطورة ذلك مبكرا، ففي أدبيات الصراع العربي - الإسرائيلي تحدثت مع من سبقوني - وهم كثر - بأن صراعنا لا بد من تركيزه ضد العنصرية الصهيونية لا ضد اليهود، فحين تصطدم العنصرية بالعنصرية، كما يصطدم إرهاب بإرهاب، تنتصر العنصريات والتطرف ويضيع الحق والعدل والسلام، وأثبتت مبادرة المملكة لحوار أهل الأديان صحة هذا الرأي، وتأكدت الصحة بتبني إسرائيل لمشروع الدولة اليهودية العنصرية، ردا على قيام الإسلام السياسي بطرح مشروع دولته الإسلاموية العنصرية، فاللسان واحد وإن اختلفت اللهجات.
في خضم الصراع مع إيران ومع بشار الأسد، صرحت غير مرة مؤكدا، نحن في صراع مع إيران وميليشيا حزب الله الإرهابية، لا في صراع مع الشيعة، ونحن في صراع مع بشار الأسد لا مع الطائفة العلوية، وحينها رد المتطرفون، بأن إيران وحزبها الإلهي وبشارها يخوضون حربا طائفية ضد السنة، لذا يجب أن تكون خصومتنا معهم طائفية ودينية لا سياسية وعسكرية فقط.
وردي الدائم على هؤلاء، إن جزءا من صراعنا مع إيران ومع من والاها، أننا لا نريد مماثلتهم، وما يستحق الانتباه، أن المتطرفين يحملون نفس المنطق الإيراني المعطوب، لذلك هم يستحقون الخصومة والعداء مثلها، فإذا تبنينا موقفهم ورؤيتهم، ما الفرق إذن بيننا وبين إيران أمام أنفسنا وأمام حلفائنا وأمام العالم؟!.
ومن إيران إلى شقيقتها في التآمر وفي الإرهاب، قطر، قام معالي المستشار في الديوان الملكي السعودي الأستاذ سعود القحطاني بإصدار تنبيهين في خضم قيادته للمعركة الإعلامية الضارية، الأول حين زورت خلايا عزمي تغريدة نسبت فيها للقحطاني قوله إن المملكة قتلت الشاعر الراحل طلال الرشيد في الجزائر، فرد القحطاني بتغريدات واضحة:
- الشيخ الشهيد طلال الرشيد كان صديقا تشرفت بمعرفته وكذلك أخيه الشيخ عبدالعزيز وعدد لا يحصى من آل رشيد الكرام، فهونوا عليكم.
- اجتمعت قلة الحيلة وانعدام المروءة بالسلطة القطرية بنشرها لتغريدة مزورة على لساني. هذا حسابي الوحيد وهناك مواقع موثوقة لمعرفة التغريدات المحذوفة.
- عجز تنظيم الحمدين عن مواجهتي فقاموا بالتزوير ومحاولة الإيقاع بيني وأهلي وعزوتي من قبيلة شمر فردوا عليهم الكرام.
- هناك شرف بالخصومة عند أهل الشرف. وكل يوم يثبت تنظيم الحمدين أن لا مروءة له، وفاقد الشيء لا يعطيه. وهل يرجى من عاق والده رجولة أو شهامة.
والتنبيه الثاني، تم حين سؤال القحطاني عن التعرض للشيخة موزة المسند والدة أمير قطر «السابق» تميم بن حمد آل ثاني، فغرد معالي المستشار الفذ:
- ممنوع منعا باتا مثل هذه التجاوزات بأي حال من الأحوال، وتمت وستتم محاسبة كل من يتعرض للأعراض.
- الشيخة موزة كريمة ابنة كرام، والتعرض للمحارم ليس من عاداتنا ولا تربيتنا ومخالف لتوجيهات ولاة أمرنا. ولا يقول غير ذلك عاقل.
واختصار هذه التغريدات، هو قول القحطاني «هناك شرف في الخصومة عند أهل الشرف»، لذا وجب على وسائل الإعلام وأقطاب مواقع التواصل الاجتماعي تحري الدقة عند فضح تنظيم الحمدين ونقدهم ونقضهم، فالخوض في الأعراض، أو استسهال نشر أخبار يتضح كذبها لاحقا، يسجل علينا ولا يسجل لنا، وربما تكون خلايا عزمي خلف ترويج أخبار كاذبة ينساق وراءها البعض فتتعرض المنظومة الإعلامية للإحراج في معركة عادلة يراقبها العالم كله، مع العلم بأنه ليس هناك أسهل من الهجوم على قطر، فجرائم تنظيم الحمدين تفوق الخيال والأكاذيب كما ونوعا.
الأهم من كل ذلك، أن خصومتنا السياسية والأمنية والمصيرية مع إيران وقطر، في جانب منها هي خصومة أخلاقية، والحذر كل الحذر من أن نخسر أخلاقنا كما نكثها الخصوم، فالأخلاق هي أهم أسلحتنا وأهم أركان هويتنا ومنهاجنا، إذ يكفي أن تقف في صف الحق لتكون في موقع القوة، وأستند إلى هنا إلى قول دارج: «همسة الحق أشد دويا من هدير المدافع»، وأستشهد بإدارة المستشار النابه سعود القحطاني للمعركة الإعلامية ضد الخصوم، فرغم قوة خطابه السياسي وشدته المحقة لم يسقط في زلة أخلاقية واحدة، ورغم كثرة الخصوم وحدتهم وميزانياتهم المليارية تمكن بحسابه في تويتر من كشفهم والانتصار عليهم لاصطفافه مع الحق والصواب، وهذه حالة تستحق الدرس والاقتداء.
أغلب ما سبق لا يستحق مقالة في هذا التوقيت، فأعداء الشيعة والعلويين واليهود هم أعداؤنا لأنهم أعداء السنة أيضا، والمعركة مع قطر أثبتت تلاحم الشعب السعودي، وتجاوزات بعض الإعلام السعودي وبعض مغردي تويتر شاذة ومحدودة ولا تمثل إلا أصحابها، وكان المفترض أن تكون هذه المقالة عن علاقة قطر ببشار الأسد وحزب الله والدواعش، وما أجلتها إلا لجلل، وهو تفاعل بعض الإعلام وبعض المغردين مع مأساة مسلمي بورما.
بدأت القصة، بمحاولة تشويش أطلقتها خلايا عزمي وجماعة الإخوان الإرهابية ضد الصورة المشرفة التي ظهرت بها المملكة خلال موسم الحج، وقد صدمني بعض التفاعل، إذ وجدت صحفا اعتبرناها تاريخيا ناطقة باسم سياساتنا، ووجدت مغردين نعتبرهم من قادة الرأي، يفقدون البوصلة كليا، وبدل تصويبهم على التشويش القطري الرخيص، أو النظام البورمي المجرم والقذر، يصوبون البندقية ضد الضحايا والأبرياء.
فلنسم الأشياء بأسمائها، شخصيا ووطنيا، في سياق حربنا على الإرهاب، نخوض معركة فاصلة ضد الإسلام السياسي، وحتى لو كانت خلفية بعضنا ليبرالية وعلمانية، فالحرب على الإرهاب وعلى الإسلام السياسي، وهما واحد بشكل مباشر أو غير مباشر، ليست حربا على الإسلام والمسلمين، إنما حرب لإنقاذ الإنسانية والإسلام والمسلمين، ومن يخلط بين الإسلام والمسلمين والإسلام السياسي - كبعض عرب الشمال من ذوي الجذور اليسارية المريضة أو أصحاب التيارات الأقلوية المأزومة - ليس منا، تماما كما أن أهل الإرهاب والتطرف ليسوا منا ولن يكونوا.
التطرف والإرهاب ليسا حصرا في الإسلام، وعليه، هناك حرب ضد الإسلام يقودها متطرفو الآخر، كانوا قلة أو كثرة، ورأينا نماذجهم في غير مكان مثل بورما، كما رأينا بعض متطرفينا يقودون حربا إلغائية واستئصالية ضد الآخر، وفي مقابل هذا كله هناك صراع داخل الإسلام نفسه، بين تطرف واعتدال، فهناك التطرف الإسلاموي الذي يريد الانعزال والتدمير والقتل، وهذا التطرف عابر للطوائف ولا يفرق بين مسلمين وغيرهم، وهناك اعتدال يريد العيش بسلام متصالحا مع الذات ومع الآخر ومع العالم، وهذا المشهد لا يحتاج اكتشافه إلى نبوغ.
لو افترضنا أن ثمة سعوديا أعلن إلحاده، سيعامله نظام ولاية الفقيه في إيران على أنه سني، وسيعامله الراهب البوذي البورمي آشين ويراثو «مؤسس حركة 969 العنصرية المتطرفة» على أنه مسلم، وسيعامله الدواعش كمن سبقهم - قبل الإعلان وبعده - ككافر مباح الدم، ومن يفرق بين إرهاب وإرهاب أو بين ضحية وضحية، فليعامل مسلمي بورما كبشر، وإن عاملهم كحيوانات، فإن النظام البورمي مارس فيهم كل انتهاك لحقوق الإنسان والحيوان، ونحن ضد كل إرهاب، ويجب أن لا يبدر منا أي تساهل مع المتعاطفين مع أي إرهاب.
وفق وزارة الخارجية السعودية، ناصرت المملكة قضية مسلمي بورما لأكثر من 70 عاما مضت، ثم يأتي أحدهم ويقول - بلا خجل - هؤلاء الضحايا إرهابيون، فإن لم يستح من الاصطفاف - بمنتهى الحقارة - مع القتلة عليه أن يستحي من اتهام بلاده - كما يفعل خصومها - بدعم الإرهاب.
وحين تجددت مذابح أراكان، قامت المملكة رغم انشغالها بموسم الحج بتحريك الأمم المتحدة لنصرة القضية البورمية، ونجم عن تحرك المملكة، وهو التحرك الجدي الوحيد، إدانة فورية واستقطاب دولي، وبادر الملك سلمان - حفظه الله - بكل ما يلزم من أجل الهاربين من الجحيم.
الحق لا يعرف بالرجال، وعليه فمتاجرة قطر وغيرها بمسلمي بورما، لا تعني ملائكية النظام البورمي ولا تعني شيطانية أهل أراكان أو مسلميها.
لا توجد منظمة دولية أو حقوقية في كوكب الأرض، إلا وانحازت مع مسلمي بورما، وأدانت النظام الحاكم - رغم التغييرات التي تطرأ عليه - في ملف حقوق الإنسان، بل إن بعض التقارير الرسمية وصفته بالنظام الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان في العالم، فهذا النظام يمثل نموذجا صريحا وفاضحا لإرهاب الدولة، والحقائق التي تصلنا هذه الأيام تغني عن أي كلام ووصف.
عمر مأساة مسلمي بورما يفوق عمر دولة قطر وعمر جماعات الإسلام السياسي، والمتاجرة بهذه القضية إدانة للمتاجرين لا الضحايا، ومن لم يرد الهجوم على المتاجرين او على أحد أبشع الأنظمة السياسية في العالم، عليه - على الأقل - الإشادة بدور بلاده في نصرة المظلوم والضعيف بدلا من الاستئساد على الضحايا وخلط الإنساني بالسياسي وتدليس الحقائق.
وما يثير الفزع في مواقع التواصل الاجتماعي، أن ثمة حسابات جماعية، منها الوهمي ومنها الحقيقي، استغلت الفظائع الراهنة في بورما لترويج خطاب عنصري يمزق المجتمع السعودي أولا، ويتبنى ثانيا خطاب «تحالف الأقليات» الإيراني ضد اللاجئين البورميين في مكة، وهم أهل جوار، وعليه أتمنى من الأجهزة الرسمية أن تكشف الجهة التي تقف خلف هؤلاء العنصريين وأن تجعلهم - بالقانون وبالعقاب العادل الرادع - عبرة لكل عنصري ومرجف، فالفتنة أشد من القتل.
أن أرصد هذه التجاوزات التي لا تمثل إلا أصحابها في المملكة العربية السعودية، رغم التناقض الفج مع السياسات الرسمية، أمر يثير الفزع، والسكوت عليه من النخب وأهل الرأي جريمة أكبر.
حين حاصر أبو جهل عمرو بن هشام، رأس الكفر، بيت الرسول الأعظم في مكة ليلة الهجرة، أغفاه الله ومن معه، وحين تنبهوا لمغادرة النبي مهاجرا في اليوم التالي، قال كفار قريش لأبي جهل، لماذا لم تقتحم منزل النبي بدلا من محاصرته وانتظاره، فرد عليهم: «وتقول العرب إن أبا جهل روع بنات محمد، وا خزياه»، فليت خصوم مسلمي بورما - هنا وهناك - تحلوا بأخلاق رأس الكفر أبي جهل، لكن العاقبة للمتقين.
ليس هناك خطر أشد من التشبه بالأعداء، وحين يحصل ذلك، تتلاشى الفروق بيننا، وتلك هي الهزيمة الحقيقية، وقد بدأت التنبيه من خطورة ذلك مبكرا، ففي أدبيات الصراع العربي - الإسرائيلي تحدثت مع من سبقوني - وهم كثر - بأن صراعنا لا بد من تركيزه ضد العنصرية الصهيونية لا ضد اليهود، فحين تصطدم العنصرية بالعنصرية، كما يصطدم إرهاب بإرهاب، تنتصر العنصريات والتطرف ويضيع الحق والعدل والسلام، وأثبتت مبادرة المملكة لحوار أهل الأديان صحة هذا الرأي، وتأكدت الصحة بتبني إسرائيل لمشروع الدولة اليهودية العنصرية، ردا على قيام الإسلام السياسي بطرح مشروع دولته الإسلاموية العنصرية، فاللسان واحد وإن اختلفت اللهجات.
في خضم الصراع مع إيران ومع بشار الأسد، صرحت غير مرة مؤكدا، نحن في صراع مع إيران وميليشيا حزب الله الإرهابية، لا في صراع مع الشيعة، ونحن في صراع مع بشار الأسد لا مع الطائفة العلوية، وحينها رد المتطرفون، بأن إيران وحزبها الإلهي وبشارها يخوضون حربا طائفية ضد السنة، لذا يجب أن تكون خصومتنا معهم طائفية ودينية لا سياسية وعسكرية فقط.
وردي الدائم على هؤلاء، إن جزءا من صراعنا مع إيران ومع من والاها، أننا لا نريد مماثلتهم، وما يستحق الانتباه، أن المتطرفين يحملون نفس المنطق الإيراني المعطوب، لذلك هم يستحقون الخصومة والعداء مثلها، فإذا تبنينا موقفهم ورؤيتهم، ما الفرق إذن بيننا وبين إيران أمام أنفسنا وأمام حلفائنا وأمام العالم؟!.
ومن إيران إلى شقيقتها في التآمر وفي الإرهاب، قطر، قام معالي المستشار في الديوان الملكي السعودي الأستاذ سعود القحطاني بإصدار تنبيهين في خضم قيادته للمعركة الإعلامية الضارية، الأول حين زورت خلايا عزمي تغريدة نسبت فيها للقحطاني قوله إن المملكة قتلت الشاعر الراحل طلال الرشيد في الجزائر، فرد القحطاني بتغريدات واضحة:
- الشيخ الشهيد طلال الرشيد كان صديقا تشرفت بمعرفته وكذلك أخيه الشيخ عبدالعزيز وعدد لا يحصى من آل رشيد الكرام، فهونوا عليكم.
- اجتمعت قلة الحيلة وانعدام المروءة بالسلطة القطرية بنشرها لتغريدة مزورة على لساني. هذا حسابي الوحيد وهناك مواقع موثوقة لمعرفة التغريدات المحذوفة.
- عجز تنظيم الحمدين عن مواجهتي فقاموا بالتزوير ومحاولة الإيقاع بيني وأهلي وعزوتي من قبيلة شمر فردوا عليهم الكرام.
- هناك شرف بالخصومة عند أهل الشرف. وكل يوم يثبت تنظيم الحمدين أن لا مروءة له، وفاقد الشيء لا يعطيه. وهل يرجى من عاق والده رجولة أو شهامة.
والتنبيه الثاني، تم حين سؤال القحطاني عن التعرض للشيخة موزة المسند والدة أمير قطر «السابق» تميم بن حمد آل ثاني، فغرد معالي المستشار الفذ:
- ممنوع منعا باتا مثل هذه التجاوزات بأي حال من الأحوال، وتمت وستتم محاسبة كل من يتعرض للأعراض.
- الشيخة موزة كريمة ابنة كرام، والتعرض للمحارم ليس من عاداتنا ولا تربيتنا ومخالف لتوجيهات ولاة أمرنا. ولا يقول غير ذلك عاقل.
واختصار هذه التغريدات، هو قول القحطاني «هناك شرف في الخصومة عند أهل الشرف»، لذا وجب على وسائل الإعلام وأقطاب مواقع التواصل الاجتماعي تحري الدقة عند فضح تنظيم الحمدين ونقدهم ونقضهم، فالخوض في الأعراض، أو استسهال نشر أخبار يتضح كذبها لاحقا، يسجل علينا ولا يسجل لنا، وربما تكون خلايا عزمي خلف ترويج أخبار كاذبة ينساق وراءها البعض فتتعرض المنظومة الإعلامية للإحراج في معركة عادلة يراقبها العالم كله، مع العلم بأنه ليس هناك أسهل من الهجوم على قطر، فجرائم تنظيم الحمدين تفوق الخيال والأكاذيب كما ونوعا.
الأهم من كل ذلك، أن خصومتنا السياسية والأمنية والمصيرية مع إيران وقطر، في جانب منها هي خصومة أخلاقية، والحذر كل الحذر من أن نخسر أخلاقنا كما نكثها الخصوم، فالأخلاق هي أهم أسلحتنا وأهم أركان هويتنا ومنهاجنا، إذ يكفي أن تقف في صف الحق لتكون في موقع القوة، وأستند إلى هنا إلى قول دارج: «همسة الحق أشد دويا من هدير المدافع»، وأستشهد بإدارة المستشار النابه سعود القحطاني للمعركة الإعلامية ضد الخصوم، فرغم قوة خطابه السياسي وشدته المحقة لم يسقط في زلة أخلاقية واحدة، ورغم كثرة الخصوم وحدتهم وميزانياتهم المليارية تمكن بحسابه في تويتر من كشفهم والانتصار عليهم لاصطفافه مع الحق والصواب، وهذه حالة تستحق الدرس والاقتداء.
أغلب ما سبق لا يستحق مقالة في هذا التوقيت، فأعداء الشيعة والعلويين واليهود هم أعداؤنا لأنهم أعداء السنة أيضا، والمعركة مع قطر أثبتت تلاحم الشعب السعودي، وتجاوزات بعض الإعلام السعودي وبعض مغردي تويتر شاذة ومحدودة ولا تمثل إلا أصحابها، وكان المفترض أن تكون هذه المقالة عن علاقة قطر ببشار الأسد وحزب الله والدواعش، وما أجلتها إلا لجلل، وهو تفاعل بعض الإعلام وبعض المغردين مع مأساة مسلمي بورما.
بدأت القصة، بمحاولة تشويش أطلقتها خلايا عزمي وجماعة الإخوان الإرهابية ضد الصورة المشرفة التي ظهرت بها المملكة خلال موسم الحج، وقد صدمني بعض التفاعل، إذ وجدت صحفا اعتبرناها تاريخيا ناطقة باسم سياساتنا، ووجدت مغردين نعتبرهم من قادة الرأي، يفقدون البوصلة كليا، وبدل تصويبهم على التشويش القطري الرخيص، أو النظام البورمي المجرم والقذر، يصوبون البندقية ضد الضحايا والأبرياء.
فلنسم الأشياء بأسمائها، شخصيا ووطنيا، في سياق حربنا على الإرهاب، نخوض معركة فاصلة ضد الإسلام السياسي، وحتى لو كانت خلفية بعضنا ليبرالية وعلمانية، فالحرب على الإرهاب وعلى الإسلام السياسي، وهما واحد بشكل مباشر أو غير مباشر، ليست حربا على الإسلام والمسلمين، إنما حرب لإنقاذ الإنسانية والإسلام والمسلمين، ومن يخلط بين الإسلام والمسلمين والإسلام السياسي - كبعض عرب الشمال من ذوي الجذور اليسارية المريضة أو أصحاب التيارات الأقلوية المأزومة - ليس منا، تماما كما أن أهل الإرهاب والتطرف ليسوا منا ولن يكونوا.
التطرف والإرهاب ليسا حصرا في الإسلام، وعليه، هناك حرب ضد الإسلام يقودها متطرفو الآخر، كانوا قلة أو كثرة، ورأينا نماذجهم في غير مكان مثل بورما، كما رأينا بعض متطرفينا يقودون حربا إلغائية واستئصالية ضد الآخر، وفي مقابل هذا كله هناك صراع داخل الإسلام نفسه، بين تطرف واعتدال، فهناك التطرف الإسلاموي الذي يريد الانعزال والتدمير والقتل، وهذا التطرف عابر للطوائف ولا يفرق بين مسلمين وغيرهم، وهناك اعتدال يريد العيش بسلام متصالحا مع الذات ومع الآخر ومع العالم، وهذا المشهد لا يحتاج اكتشافه إلى نبوغ.
لو افترضنا أن ثمة سعوديا أعلن إلحاده، سيعامله نظام ولاية الفقيه في إيران على أنه سني، وسيعامله الراهب البوذي البورمي آشين ويراثو «مؤسس حركة 969 العنصرية المتطرفة» على أنه مسلم، وسيعامله الدواعش كمن سبقهم - قبل الإعلان وبعده - ككافر مباح الدم، ومن يفرق بين إرهاب وإرهاب أو بين ضحية وضحية، فليعامل مسلمي بورما كبشر، وإن عاملهم كحيوانات، فإن النظام البورمي مارس فيهم كل انتهاك لحقوق الإنسان والحيوان، ونحن ضد كل إرهاب، ويجب أن لا يبدر منا أي تساهل مع المتعاطفين مع أي إرهاب.
وفق وزارة الخارجية السعودية، ناصرت المملكة قضية مسلمي بورما لأكثر من 70 عاما مضت، ثم يأتي أحدهم ويقول - بلا خجل - هؤلاء الضحايا إرهابيون، فإن لم يستح من الاصطفاف - بمنتهى الحقارة - مع القتلة عليه أن يستحي من اتهام بلاده - كما يفعل خصومها - بدعم الإرهاب.
وحين تجددت مذابح أراكان، قامت المملكة رغم انشغالها بموسم الحج بتحريك الأمم المتحدة لنصرة القضية البورمية، ونجم عن تحرك المملكة، وهو التحرك الجدي الوحيد، إدانة فورية واستقطاب دولي، وبادر الملك سلمان - حفظه الله - بكل ما يلزم من أجل الهاربين من الجحيم.
الحق لا يعرف بالرجال، وعليه فمتاجرة قطر وغيرها بمسلمي بورما، لا تعني ملائكية النظام البورمي ولا تعني شيطانية أهل أراكان أو مسلميها.
لا توجد منظمة دولية أو حقوقية في كوكب الأرض، إلا وانحازت مع مسلمي بورما، وأدانت النظام الحاكم - رغم التغييرات التي تطرأ عليه - في ملف حقوق الإنسان، بل إن بعض التقارير الرسمية وصفته بالنظام الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان في العالم، فهذا النظام يمثل نموذجا صريحا وفاضحا لإرهاب الدولة، والحقائق التي تصلنا هذه الأيام تغني عن أي كلام ووصف.
عمر مأساة مسلمي بورما يفوق عمر دولة قطر وعمر جماعات الإسلام السياسي، والمتاجرة بهذه القضية إدانة للمتاجرين لا الضحايا، ومن لم يرد الهجوم على المتاجرين او على أحد أبشع الأنظمة السياسية في العالم، عليه - على الأقل - الإشادة بدور بلاده في نصرة المظلوم والضعيف بدلا من الاستئساد على الضحايا وخلط الإنساني بالسياسي وتدليس الحقائق.
وما يثير الفزع في مواقع التواصل الاجتماعي، أن ثمة حسابات جماعية، منها الوهمي ومنها الحقيقي، استغلت الفظائع الراهنة في بورما لترويج خطاب عنصري يمزق المجتمع السعودي أولا، ويتبنى ثانيا خطاب «تحالف الأقليات» الإيراني ضد اللاجئين البورميين في مكة، وهم أهل جوار، وعليه أتمنى من الأجهزة الرسمية أن تكشف الجهة التي تقف خلف هؤلاء العنصريين وأن تجعلهم - بالقانون وبالعقاب العادل الرادع - عبرة لكل عنصري ومرجف، فالفتنة أشد من القتل.
أن أرصد هذه التجاوزات التي لا تمثل إلا أصحابها في المملكة العربية السعودية، رغم التناقض الفج مع السياسات الرسمية، أمر يثير الفزع، والسكوت عليه من النخب وأهل الرأي جريمة أكبر.
حين حاصر أبو جهل عمرو بن هشام، رأس الكفر، بيت الرسول الأعظم في مكة ليلة الهجرة، أغفاه الله ومن معه، وحين تنبهوا لمغادرة النبي مهاجرا في اليوم التالي، قال كفار قريش لأبي جهل، لماذا لم تقتحم منزل النبي بدلا من محاصرته وانتظاره، فرد عليهم: «وتقول العرب إن أبا جهل روع بنات محمد، وا خزياه»، فليت خصوم مسلمي بورما - هنا وهناك - تحلوا بأخلاق رأس الكفر أبي جهل، لكن العاقبة للمتقين.